في يوم من الأيام، كان هناك شاب في مقتبل العمر مكافح محب للحياة، لم
يكن له حظ في التعلم كأقرانه، لكان يعمل ثارة في البناء وفِي المطاعم يغسل الصحون
ثارة أخرى، يئس وضجر من معاملة أرباب العمل، سب وشتم، عبودية واضطهاد، لذا قرر ترك
مثل هذه الوظائف، والبحث عن عمل مخالف، ذات يوم تقدم لوظيفة عند أحد أكبرالشركات
الخاصة ببيع الهواتف الذكية، مهمته التنظيف فقط، ولا شيء غير ذلك، سألته السكرتيرة
عن رقم الهاتف ورقم الحساب البنكي، من أجل تمرير أجرته عبر البنك، أجابها الشاب
المسكين أما الهاتف فإني لا أملكه، وبخصوص البنك فلم أزره قط، أجابته بابتسامة
عريضة، لا تملك الهاتف إذا أنت غير موجود، وبما أنك غير موجود فأنت لا تصلح للعمل
عندنا، خرج المسكين مستاءا، فقد أغلقت كل الأبواب أمام وجهه، ثم قرر أن يعمل
لنفسه، ذهب للسوق واشترى بضع كيلوغرامات من الليمون، وضعها في صندوق، وقصد الأبواب
الموصدة، هذا يشتري من عنده، وهذا لا يجيب، ليدق الباب الذي يليه، يسمع من خلفه،
من الطارق، ويجيب بوجه بشوش، وعينين مغلقتين مليئتين بالأمل، بائع الليمون سيدتي،
ليمون طازج، وبثمن أقل من السوق، يصلك حتى البيت، مع إمكانية طلب أشياء أخرى
والدفع عند التسليم سيدتي، كل هذا يردده أمام كل باب يطرقه، ثم تجيبه السيدة
بكلمات متقاطعة، ماذا ؟؟ ليمون !! إذهب..لا تعد، رغم مثل هذه الإهانات، إلا أن هناك
من يشعل فتيل الحماس فيه، كمن يجيبه، كم هذا رائع بني، لقد إختصرت علي عناء الذهاب
للسوق، لذا أحضر لي غدا، بعضا من الفواكه الطازجة، قليلا من كل نوع..هكذا بدأ،
يوما بعد يوم حتى اشترى دراجة هوائية، بعده بأشهر إقتنى سيارة، وبعد خمس سنوات وبالعمل
الجادأسس شركة صغيرة، لبيع المواد الغذائية بكل أنواعها، وعمل عنده أكثر من عشرين
موزعا، منهم من يذهب للأسواق عند التجار، ومنهم عند الزبائن،بعد كل هذا بدأ الشاب
يفكر في المستقبل، لذا قرر أن يُؤْمِن شركته لدى أكبر شركة تأمين، وفِي مقابلة مع
أحد موظفي الشركة، قال له إعطني رقم هاتفك ورقم حسابك البنكي، فأجاب الشاب بأنه لا
يملك لا هذا ولا ذاك، رد موظف التأمين مستغربا، لقد أسست شركةمن الصفر والآن أنت
من أكبر الموزعين في البلاد، ماذا كان سيحدث لو أنك امتلكت هاتفا وحسابا بنكيا، رد
الشاب بابتسامة، لو كنت أملك هذا الهاتف، وهذا الحساب، قبل خمس سنوات، لكنت الآنأنظف
أحد المراحيض بأحد أكبر شركة لبيع الهواتف.
مضمون هذه
القصة صغاري أنه أحيانا يمنع الله سبحانه عنا أمورا نحسبها هي الأصلح لنا، لكنها
قد تكون سبب تعاستنا، فوالله مهمادبرنا لأنفسنا، لن يكون أجمل وأكرم، وأرحم من
تدبير الله لنا، فاللهم اختر لنا ودبر لنا فنحن لا نحسن الإختيار ولا التدبير.